مواسم الخداع وظلم ذوي القربي
الصحفي
يوسف عماره ابوسن
هيئة تنمية البطانة.. أي تنمية في أي بطانة؟؟ (الجزء الأول)
منذ فترة ليست بالقصيرة ودول العالم تولي أهتماما كبيرا بدور التخطيط في تنمية الريف وذلك من أجل الإرتقاء بإنسان الريف والنهوض بمستوي بيئته وذلك لمنع الهجرة نحو المدن مما يسهم في الضغط عليها واحداث مشكلات تعطل نمو المدن، وتحقيق النمو الاقتصادي والاجتماعي والتنمية البشرية المتدامة في المناطق الريفية يتطلب اعتماد التخطيط كمنهج اساسي للتنمية الريفية كما وانه يحتاج لإجراء الدراسات والبحوث التطبيقية بهدف التعرف على طبيعة الأوضاع السائدة وتحديد المراكز والمناطق التي فيها نقص في الخدمات ومعرفة المراكز التي لا تستغل الخدمات والأنشطة الاقتصادية الموجودة فيها وكل ذلك بالطبع لايجاد الصيغ البديلة للتخطيط لتنمية الريف، وفي منطقة البطانة لدينا مثال شاخص علي انعدام التخطيط الخلاق لتنفيذ مشروع كان ينبغي أن يرتقي بمستوي إنسان البطانة علي كل المستويات وسأحاول أدناه وفي حلقات الإحاطة بعناصر الفشل التي انتابت المشروع ومشكلاته الادارية والتنفيذية ومستوي علاقته بالحكومة (الشريك).
في العام 2006م وبقاعة الشهيد الزبير كنت من حضورا للإجتماع الأول لتدشين أعمال هيئة تنمية البطانة والتي يرأس مجلس إدارتها الدكتور قطبي المهدي نائب الدائرة 4 الدامر الشرقية بولاية نهر النيل والمستشار السابق وأمين المنظمات بالمؤتمر الوطني وأمين القطاع السياسي الحالي (يعني ما فاضي) وللعلم فإن قطبي من بلدة (المطمر) جنوب المحمية، وقد اسند لهيئة تنمية البطانة مهمة تنفيذ مشروع البطانة للتنمية الريفية المتكاملة والذي يتم تمويله عبر قرض من الصندوق الدولي للتنمية الزراعية (إيفاد) بقيمة 19.9 مليون دولار وبمساهمة من الحكومة الاتحادية بمبلغ 5.6 مليون دولار ومساهمة من الولايات والمحليات بـ 1.7 مليون دولار ويشمل المشروع تنفيذ برامج تنموية وخدمية بمناطق مختلفة من البطانة.
يرتكز مشروع البطانة للتنمية الريفية المتكاملة علي أربع مكونات أساسية أولها:الدعم المؤسسي والإداري عبر تنظيم إدارة المراعى وموارد المياه وتوفير الدعم اللوجستى والتدريبي للكوادر العاملة بمنطقة المشروع حيث تتم إدارة المشروع عبر وكالة وأربعة مكاتب فرعية مكتب لكل ولاية التي يشملها المشروع.
وثانيها: مكون تنمية الزراعة والمراعى الطبيعية ويهدف هذا لزيادة الإنتاج الزراعي وتنمية المراعى ونقل التقانات لزيادة إنتاج المحاصيل وزيادة الإنتاج الحيوانيى وتنمية البنية التحتية لموارد المياه والحفاظ على البيئة.
وثالثها: مكون الثروة الحيوانية وتطوير التسويق ويهدف هذا إلى زيادة دخل المستهدفين عبر زيادة مقدراتهم في تسويق منتجاتهم وزيادة فاعلية الخدمات التسويقية والبنيات التحتية للأسواق .
ورابعها: مكون تنمية المجتمع ويهدف إلى تنمية قدرات منظمات المجتمع بتوفير التدريب فى الجوانب الفنية والتنظيمية وتدريب النساء على المهارات والحرف اليدوية.
في أكتوبر 2009م التزمت وزارة المالية والاقتصاد الوطني بتوفير الموارد اللازمة لاستدامة مشروع البطانة للتنمية الريفية وتنفيذ ذلك عبر هيئة تنمية البطانة، وبحث وزير الدولة بوزارة المالية والدكتور قطبي المهدي رئيس هيئة تنمية البطانة مع بعثة الإيفاد تقييم الأداء التفصيلي للمشروع، وكشف وقتها عن التكلفة الكلية للمشروع التي بلغت حوالي 29 مليون دولار بقرض من الإيفاد قدره 24 مليون وتمويل من الحكومة الاتحادية وحكومات الولايات المستهدفة والمستفيدين بما يعادل خمسة ملايين دولار، ويستهدف تحسين سبل المعيشة للأسر الريفية الفقيرة ورفع قدراتها على مقاومة الجفاف بصورة مستدامة في الولايات الخمس وهي نهر النيل، الخرطوم، الجزيرة، القضارف وكسلا. وفي هذه المناسبة أكد د. قطبي المهدي التزام الهيئة باستدامة المشروع وتوفير الموارد اللازمة لتطوير منطقة البطانة والحرص على وحدة المنطقة وتكاملها بما يسهم في تسهيل إنفاذ التنمية فيها، وقال أن الهيئة معنية بضمان التشريعات الكفيلة بحماية البيئة واستمرار مشروعات حصاد المياه والطرق الريفية والتسويق بجانب توفير خدمات الصحة والتعليم والتدريب اللازم لضمان استدامة المشروع.
كما يقول المصريون (هو الكلام بفلوس؟) وحتي الآن مر أكثر من ربع الفترة المتوقعة لانفاذ المشروع وهي ثمان سنوات بدأـ في العام 2008 ولم ينفذ ما يوحي بأن المشروع سينفذ كاملاً أو سيجني الناس عوائده التي ذكرها د.قطبي المهدي، ولم تنشر الهيئة ما يفيد بأن القروض ذهبت لشئ يفيد الناس ويتصل بتحسين نمط حياتهم أو رفع مستوي معيشتهم.
حسب المعلومات المتوفرة فان مشروع البطانة للتنمية الريفية المتكاملة يقع بالمنطقة التي يحدها نهر عطبرة من الجهة الشمالية الشرقية ونهر النيل من الجهة الشمالية الغربية والنيل الأزرق من الجهة الجنوبية الغربية و طريق القضارف كسلا من جهة الجنوب الشرقي، وتقدر المساحة التي يغطيها المشروع بحوالي 65.000 كلم مربع، ويضم المشروع عشرة محليات بكل من ولايات نهر النيل – الخرطوم – الجزيرة – القضارف – وكسلا ويقدر تعداد السكان بمنطقة المشروع بحوالي مليون نسمة 80% منهم بدو ورحل وتقدر الكثافة السكانية بـ 14 نسمة للكيلو متر المربع ، ومعظم السكان يعيشون على ضفاف نهر عطبرة والنيل الأزرق وبالقرب من نهر النيل بولاية نهر النيل يقع المشروع بمحليتي الدامر وشندى فى الحدود شرق طريق التحدى وحتى حدود الولاية مع ولايات الخرطوم والقضارف وكسلا إضافة لضفتي نهر عطبرة والتي تقع فيها معظم الاراضى التي تروى فيضي ومطري مثل (أودية الهواد – السواد – الشين – المكابراب – العوتيب ) و (تروس العبدوتاب – القهيد ).
ولا يفوتني أن أذكر أن أغلب المناطق المذكورة أعلاه علاقتها بالبطانة ليست بأقوي من مناطق (القليتة، أم رويشد، أم سرحة، الصفية، أب جراد، والباهوقي) وهذه المناطق من أفقر أرياف السودان واحوجها لتنمية حقيقة تحيي موات أرضها وترفع من وعي إنسانها، وفي أغلب المناطق آنفة الذكر تبيع الدولة مياه المطر لرعاياها و(تشفط) اللبن من أفواه أطفالهم ومن ضروع مواشيهم ، طبعا هذا الكلام لن يفيد ولن يلين قلب الحكومة علي أهل البطانة إلا إذا كان مدعوما بخطوات عملية أهمها أن يقف كل منا مطالبا بحقه بالتي هي أحسن أو بالتي هي أخشن فليس هناك شئ يخاف منه أو يخاف عليه وكما قيل (خربانة خربانة) والحكومة أعتادت أن تمتحن صبر مواطنيها لكن حذاري من قوم إن هم أنتفضوا فبلا شك (بسووها نجيضةً ما بتنقلب لي نار).
من أولي أولويات أهالي البطانة الذين ينضوي معظمهم تحت حكم الوالي كرم الله هي معالجة مشاكل الري ومحاربة البطالة وحل مشكلات الرعي ودعم الزراعة وترشيد التنقيب عن الذهب وتوجيه ضرائبه ومدخلاته نحو برامج التنمية والبني التحتية بالمنطقة وحل مشاكل النزاعات حول الأراضي التي تتم بها عمليات التعدين سواء كان عشوائيا أو عبر شركات تتعاقد مع الدولة، وكل هذا ينبغي أن يكون من أولي أولويات الحكومة الولائية بدلا عن المهرجانات الزائفة والتلميع الأجوف للقيادات المحلية والولائية فالتبديل الوزاري المقبل في الولاية ينبغي أن يكون علي اساس الكفاءة والرصيد الجماهيري والقرب من الناس لا علي اساس الولاء الشخصي والحزبي وقد تسربت أنباء عن عزم الوالي إزاحة معتمدي الفشقة وقلع النحل والفاو وتعيين معتمدين جدد هو من قبيل التكتيك السياسي، فالتغيير مطلوب لكن يجب أن تكون البدائل إيجابية وفعالة وفوق ذلك يجب أن يكون المسئول ملم بطبيعة المنطقة وأهلها وتعقيداتهم ومشاكلهم.
أحيانا يأتي حديثنا كالحنظل أو أكثر مرارة أو كـ(دق الركب) لأن البحث عن مخرج قد اعيانا وظلم ذوي القربي قطع الوشائج التي تربطنا بواقعنا، فمثلا اقيم في البطانة أكثر من عشر فعاليات من ما يسمي بـ(مخيم البطانة) الذي يشرفه رئيس الجمهورية فالمخيم إن كان يقام في الأساس للتنمية والارتقاء بالخدمات لكنه صار متنفساً و(رحلة سفاري) لكبار رجال الدولة وغلب عليه الطابع الثقافي أكثر من التنموي فما معني أن نرقص سويا في الهواء الطلق وتعرض أشعار المادحين ويوزع هارون الرشيد أعطياته علي الشعراء؟؟ فقد كنت شاهدا بأم عيني علي مدي الاستغفال الذي يتعرض له الناس في منطقة البطانة أثناء زيارة الرئيس فقد افتتح الرئيس مركزا صحيا كان عبارة عن معدات مركز طبي مستعارة أرجعت بعد زيارة الرئيس مباشرة للقضارف وأدرجها الوالي (غفر الله له) ضمن انجازاته التنموية، ثم ما هو جدوي الترتيبات الاحتفالية ونقل الناس من الأصقاع وهم لا يجدون ما يشربونه ولا ما يروي ظمأ مواشيهم؟؟ أريحوهم من هذا النفاق ووفروا لهم ثمن هذه البهارج وليأتي الرئيس ضيفا علي من يشاء وسيكرمه كل اهل البطانة واقسم بالله قبل المخيم بايام شهدت العرب من أطراف البطانة ينزلون من البهائم أسمنها إكراما للرئيس فالرئيس ضيف كل مواطني البطانة فلا تجعلوا زيارته حشدا لأنفسكم ودعاية لمشاريعكم.
أواصل في الحلقة المقبلة..
يوسف عمارة أبوسن