كثيراً ما أسترجع بيت الشعر (الدوبيت) الذي قاله أحد شعراء الشكرية واصفاً فيه حياة البداوة وتنقل العرب (القبيلة) من مكان لآخر سعياً وراء المرعى ... وجميعنا قد درس وحفظ قصيدة إمرؤ القيس حينما زار ديار المحبوبة ولكن لسؤ حظه وجدهم قد رحلوا من الموقع ولم يتركوا وراءهم سوى آثار الموقع أثافي الطبخ (لدايات) ورماد نيرانهم حينما كانوا بالموقع ... فقال مخاطباً رفيقيه:
قفا نبكي من ذكرى حبيب ومنزل *** بسقط اللوى بين الدخول فحومل
وهنا يظهر ضعف المحب ولهفته وحسرته فما كان أمامه سواء البكاء تعبيراً عن أحاسيسه وإكتفى بذلك ... ولكن أنظر ماذا قال شاعر الشكرية عندما تعرض لنفس الموقف عندما قصد ديار المحبوب راكباً جمله بعد سفر طويل وفوجئ أيضاً بأنهم قد غادروا الديار سعياً وراء الكلأ وتركوا خلفهم آثارهم ، فلم يجزع ولم يبكي ولم يتقاعس إنما نهض وخاطب جمله (الركوبة) قائلاً له:
يا أب حلق الرحيل عز العرب من يومو *** أرح ودينا لزولاً طرية جسومو
عيب ود الفراش كان يمشي في البتلومو *** عريان العرض ما بسترنو هدومو
وقد وصف جمله بأب حلق وهذا كناية عن السفر الطويل والتعب حيث تتعرق الجمال من مؤخرة رأسها في شكل حلقتين سود ومع ذلك رغم السفر الطويل لم يبك ولم يتخاذل بل إستنهض همته وهمة جمله بأنه يجب مواصلة السفر خلف المحبوب ولم يعيب عليهم الرحيل بل وصف أن رحيل العرب (عز) لكونه جزء من حياتهم اليومية وقد حذر نفسه من البكاء والعويل والإتيان بما يتنافى ورجولته وهو البكاء وود الفراش تعني ود القبايل وختم بأن ساق لنا حكمة عظيمة وهي (عريان العرض ما بسترنو هدومو) وقد قرر الحفاظ على شرفه ورجولته وعدم التمسح ببقايا وآثار المحبوب إنما سعى خلفهم مستنهضاً همته وهمة جمله، وهنا نجد أن شاعر الشكرية قد تفوق على إمرؤ القيس في مثل هذا الموقف