كان أداك وكتر ما بقول أديت
دا البرسوة الموشّح سدره بالسوميت
دابي الكرد حجّر شراب سيتيت
كاتال في الخلا وعقبان كريم في البيت
===
كلنا سمعنا هذا البيت من الدوبيت وطربنا له كثيراً حين يتغنى به الفنان علي إبراهيم (اللحو) ولكن هناك القليل ممن يعرفون مناسبة هذه البيوت الشعرية الرائعة والمليئة بكل معاني الرجولة والشجاعة والكرم وسوف أحاول أدناه أن أشرح مختصراً لمناسبة هذه القصيدة وفي من قيلت:
عندما توفى المهدي (عليه السلام) خلفه عبدالله التعايشي ولم تكن حينها المهدية قد إستمالت شكرية البطانة لذلك كانوا أول من خرج عليها وقد حاول الخليفة عبدالله التعايشي إستمالتهم إليه ولكنه فشل وكان يخاف ثورتهم ... عليه فقد قام بحيلة ذكية فقد أرسل إلى شيخ الشكرية (أبو سن) يخبره أنه لا يود كسب عداوة الشكرية وهو يعترف بأن البطانة ملكاً خاصاً لآل شكير ويمكنه إرسال أبناءه عمارة فارس القبيلة حينها والحاردلو لكونه كان ملماً بالقراءة والكتابة لكتابة وتوقيع معاهدة بهذا الشأن وقد سافرا بالفعل لأم درمان لمقابلة الخليفة عبدالله التعايشي وهناك أخبرهم بأنهم ضيوف لديه (محتجزون كرهائن) إلى أن ينتهي من حروبه الخارجية ثم يتفرغ لقبيلتهم ويرى ما يمكن فعله مع قبيلة الشكرية لا حقاً وأجلس الحاردلو في مجلسه وطلب من الفارس عمارة بيع حطب الطلح في السوق لحساب بيت المال كما كانت معظم التجارة حينها.
وقد أذعن عمارة مكرهاً على ذلك وله مقولة مشهورة (الطلح ... الطلح الكبار وسمح) وفي إحدى المرات تجادلت معه إحدى المشتريات ثم قالت له أنا بعرفك من رفاعة بيعك غالي ... فما كان منه إلا أن صفعها وقال لها ( بت ال .... أنا قالوا ليك في رفاعة كنت ببيع حطب) وهب بعض أبناء قبيلتها في محاولة لضرب عمارة وقتله فما كان منه إلا أن تناول عوداً مما أمامه وقتل أربعة منهم وفرّ الباقون وعندما علم الخليفة بذلك أمر بحجزه وتطبيق حكم القصاص فيه (أي القتل) وفي اليوم المشهود إجتمع الخلق لمشاهدة قص عنق عمارة وأوتي به مكبلاً بالقيود وهو ما أحزن شقيقه الحاردلو وأتعبه كثيراً وقبل القصاص قال الحاردلو للخليفة بأن أخوه فارس قبيلة ورجل له شأنه وطلب من الخليفة أن يسمح له بإعطاء أخيه حقه أي ما يستحق من الشعر قبل قطع رأسه ... وكانت هذه الأبيات الرائعة:
كان أداك وكتر ما بقول أديت
دا البرسوة الموشّح سدره بالسوميت
دابي الكرد حجّر شراب سيتيت
كاتال في الخلا وعقبان كريم في البيت
والتي طرب لها الخليفة كثيراً وقال للحاردلو " يداوسوك في الخلا وتاني يكرموك في البيت ... هي دا ما بيقتلوه" فقال له الحاردلو-والله مستعد يضبح ليك ولده إذا قصدته من شدة كرمه-، فما كان من الخليفة أن قال أن مثله يجب أن لا يقتل وعتقه ثم دفع دية القتلى من بيت المال ... وقد يثبت لك هذا مدى قوة الشعر والشاعر وكيف تسببت هذه الأبيات البسيطة في إنقاذ حياة الفارس عمارة ود أبو سن وقد حوت الفترة التي قضاها الحاردلو وعمارة في أم درمان بالكثير من الأحداث التي سوف أحاول أن أحكي لكم بعضاّ منها في مناسبة أخرى بمشيئة الله.